تُعتبر عملية تربية الحمام في المنزل من أوائل الأشياء التي برع بها الإنسان في تاريخه، فمنذ فجر التاريخ وبداية الإنسان بشكل خاص قامت العديد من المحاولات التي من شأنها توطيد العلاقات بين الإنسان والحيوان، والحقيقة أن الحمام كان الوسيط الأول في هذه العملية، حيث أنه صادق الإنسان وصاحبه في أقرب مكان إليه، وهو مكان العيش، حتى تطور الأمر مع الزمن وأصبحت تلك الكائنات جزء أصيل من البيوت الريفية، وكأن الأمر أشبه بالمنافع المتبادلة بين الفريقين، حتى أخطر الشئون، كالتي تتعلق بالحياة العسكرية مثلًا، كان الحمام موجودًا فيها وبقوة، حيث عُرف عنه الاستخدام في نقل الرسائل الحربية بين الجيش والقيادة، عمومًا، دعونا نترك كل ذلك ونتعلق في عملية تربية الحمام في المنزل وكيف تحدث بالشكل الأمثل وهل هي مُجدية فعلًا أم أنها مجرد مضيعة للوقت؟
ماذا تحتاج لتنفيذ هذه التعليمات؟
- حمام، بالأعداد التي تود تربيتها كثرت أو قلت.
- قفص أو برج حمام كي تتم عملية التربية به.
- بعض الحبوب والأعلاف التي يُحبذها الحمام.
- أزواج من الحمام من أجل حدوث عملية التلقيح.
- عناية ورعاية واهتمام ومتابعة على الأقل مرتين في اليوم؟
ما هو الحمام؟
قبل أن نتحدث عن تربية الحمام في المنزل وكيف تتم بالتأكيد نحن في حاجة أولًا إلى التعرف على ماهية بطل هذه الكلمات، وهو الحمام، فإن كنا سنعرفه تعريفًا نمطيًا فسوف نقول إنه طائر ينتمي لفصيلة النورس وله عدة أنواع مختلفة، لكن التعريف الحقيقي الملموس هو أنه الصديق الأول للإنسان، والطائر الذي يتواجد منذ ملايين السنين، والذي يتكاثر بسرعة شديدة وتتواجد منه أعداد كبيرة جدًا في كل مكان تقريبًا.
يتواجد الحمام بشكل أكبر في الريف والمُدن، حيث أنه يعشق الفلاح والحقول، والواقع أنه لولا إرادة الله ثم سعي الإنسان في تهجين الحمام لما ظهرت كل هذه الأنواع، والتي يُمكن تقديرها بلا مبالغة بالآلاف، وبالتأكيد تلك الأعداد الكبيرة لم تعش على الأرض حياة النمل التي لا قيمة لها، وإنما ضربت مثلًا في الفاعلية منذ اليوم الأول لظهورها، أو بمعنى أكثر دقة، منذ أن تعرف عليها الإنسان.
تاريخ تربية الحمام
يتواجد الحمام منذ ملايين السنين كما ذكرنا، لكن بداية التعرف عليه وبدء تربية الحمام في المنزل أو في الحقول كان منذ آلاف السنين فقط، وقد كان نوع واحد هو البداية لكل هذه الأعداد، وهو نوع الحمام الجبلي، ذلك النوع الذي كان الإنسان المصري القديم هو صاحب السبق في استئناسه والتقرب منه، أما الإغريق فقد كان لهم وجهة نظر أخرى في هذه الكائنات الرقيقة، حيث قاموا بتبجيلها واعتبروها من ضمن الملائكة، بينما الرومانيون بفكرة أخرى مختلفة تمامًا.
لم يُحبذ الرومانيون التقرب أو التبجيل، وإنما رأوا في الحمام ما هو أهم من ذلك بكثير، حيث كانوا أول من استخدموه في المراسلة ونقل أسرار الحروب والمدن، وذلك استغلالًا للمسافات الكبيرة التي كان يقطعها، والتي كانت تتجاوز بلا مبالغة ستمائة كيلو متر، كما أنه لم يكن لعاقل أن يتشكك أبدًا في كائن رقيق مثل الحمام، وأنه يحمل أخطر الأسرار الحربية بين أقدامه، عمومًا، في الأوساط الشرقية حظيت تربية الحمام بمكانة أكبر وأهم من كل هذا.
تربية الحمام في الشرق
يُعتبر الشرقيين أحد أكثر الأوساط تربيةً للحيوانات، فقد عرفوا الحيوانات واهتموا بها منذ وقت طويل، فلا تجد منزل إلا وبه بقرة أو جاموس أو قطة أو دجاجة أو أي حيوان آخر، لكن أهم وأكثر حيوان انتشارًا، أو طائر بمعنى أدق، كان الحمام، فقد كان يُحلق تقريبًا فوق كل منزل، وكان الناس يتفاوتون في الأسباب التي تدفعهم تربية الحمام، فمنهم من يفعل ذلك من أجل المتعة فقط، تلك المتعة التي يحصلون عليها من رؤية الحمام وهو يُحلق فوق بيوتهم، وهناك من يربي الحمام من أجل التجارة والمكسب، وهناك من يرى في الحمام طعام الملوك فيُربيه من أجل تناوله على أحد الوجبات، عمومًا في النهاية ومهما اختلفت أسباب التربية تبقى النتيجة واحدة، وهي كثرة الحمام في البيوت الشرقية.
تعليمات تربية الحمام في المنزل
كي تقوم بعملية تربية الحمام في المنزل يجب أن تعرف أن ما ستفعله ليس أمر سهل بالمرة، لأن الحمام من أكثر الكائنات التي تبحث عن الحرية، وربما يُمكنك إدراك ذلك من تشبيه الأشخاص الأحرار بالحمام، ولهذا فإنك إذا نويت حقًا تربية حمام في منزل فأنت في حاجة إلى بعض التعليمات الخاصة، والتي تتعلق بما ستحتاجه خلال عملية التربية، ولنبدأ بعنصر هام جدًا في هذه العملية يجب توضيحه جيدًا، وهو المكان.
توفير مكان التربية
أول شيء ستبحث عنه عند نيتك تربية الحمام في المنزل هو المكان، والمكان بالتأكيد يجب أن يكون على سطح منزلك، لأن أول شيء يبحث عنه الحمام ويحتاجه بشدة هو ضوء الشمس، حيث يجب عليك أن تجعل المكان مُعرضًا لأشعة الشمس بالصورة المُناسبة، وبعدها ستكون أمام خيارين كل خيار منهما له سلبياته ومنافعه، أما الخيار الأول فهو عمل أبراج عالية للحمام كي يشعر بحرية أكثر، وفي هذه الحالة يجب أن تضع في حسبانك أنك قد تأتي في اليوم التالي ولا تجد الحمام الخاص بك، سيطير إن جاءته الفرصة، ولذلك فإن البعض يلجأ إلى الخيار الثاني، وهو وضع الحمام في أقفاص مفتوحة قليلًا لكنها لا تسمح بهروب الحمام، وهذا هو المطلوب إثباته.
بالنسبة للأقفاص التي سيتم تخصيصها من أجل الحمام فهي كذلك تحظى بتعليمات خاصة، أولها أن تكون مفتوحة من أجل ضوء الشمس والهواء، وأن يكون بها أقفاص صغيرة تصلح للنوم، كما يجب أن تكون ثابتة في مكان ما كيلا تُزعج الحمام، والحقيقة أن خيار التربية في الأقفاص أفضل لأنه على الأقل سيضمن لك عدم تلويث سطح منزلك.
تعليمات أنواع التربية
الآن أصبح لديك المكان الجاهز لاستقبال ضيفك الجديد، أنت الآن إذًا في حاجة إلى بعض أنواع الحمام التي تصلح أن تُربى داخل ذلك المكان، والحقيقة أنها كثيرة، فمنها التركي ومنها البغدادي ومنها الهندي والكينج وغيرها الكثير من الأنواع، لكننا سنكتفي بذكر ثلاثة فقط من أهم تلك الأنواع وأكثرها انتشارًا، وهو حمام الفراشة.
حمام الفراشة، حمام الشرق الأوسط
يعتبر حمام الفراشة من أكثر أنواع الحمام التي تتواجد في الشرق الأوسط، والحقيقة أنه يمتلك اسمًا آخر شهير وهو حمام الكشك، ويتميز ذلك النوع من الحمام بمنقاره، والذي يكون عريض وصغير في نفس الوقت، وهو ما يساعده كثيرًا عند تناول الغذاء، كما أن له شكل جميل ومميز يدفع الناس إلى تربيته.
الحمام الصنعاوي، الحمام المُطرب
من أشهر الأنواع انتشارًا فيما يتعلق بعملية تربية الحمام في المنزل الحمام الصنعاوي، وهو كما يتضح من اسمه يتواجد بكثره في صنعاء باليمن، ويتميز ذلك النوع من الحمام بشكله الجميع وأيضًا صوته العذب الشبيه بالطرب.
الحمام البخاري، الحمام السمين والثمين
يمتاز الحمام البخاري بأنه حمام سمين من حيث الحجم وجميل من حيث الشكل، وفي نفس الوقت فإنه يساوي مبالغ كبيرة، ولهذا فإن أغلب من يتعاملون به يستخدمونه في التجارة، حيث يقومون بتربيته ثم يبيعونه بمبالغ كبيرة بعد فترة، وهو منتشر في الشرق الأوسط وفي كل مكان في العالم عمومًا.
تعليمات غذاء الحمام
أهم شيء في تعليمات تربية الحمام بالمنزل هي تلك التعليمات التي تتعلق بالغذاء، فالغذاء هو ما يشغل أي كائن حي على وجه الأرض، ولكون الحمام في النهاية طائر فإنه بالتأكيد يحتاج في غذائه إلى الأعلاف، وذلك لأن الحبوب والأعلاف تُناسب من حيث الفم والحجم القدرة الغذائية للحمام، ومن أهم الأعلاف والحبوب نجد القمح والشعير والذرة والعدس، كما أن بعض المحلات المُتخصصة الآن أصبحت تبيع خليط مُخصص للحمام يتواجد به كل الأغذية المذكورة الآن، لكن إذا ما كنت تمر بضائقة مادية ولا تستطيع توفير السابق ذكره للحمام فإياك أن تقلق، وذلك لأنه ببساطة يأكل الرز المتبقي منك والخبز الناشف أيضًا، وهناك شيء آخر يجب الالتفات له، وهو وضع بعض الحصى في الطعام.
أهمية الحصى في طعام الحمام تكمن في قدرته على المساعدة على الهضم، وبالنسبة لشراب الحمام فهو الماء كأي كائن حي أيضًا، وهناك ما يُشبه الساقية الخاصة تُباع في المحلات والأسواق، لكن إذا ما كنت غير قادر على توفيرها أيضًا فإياك والقلق لأن أي إناء موجود لديك يكفي جدًا ويؤدي الغرض، والحقيقة أن الأهم من الطعام والشراب هو معرفة مواعيدهما، وهي مرتين في اليوم الواحد، ويُفضل أن يتم تنظيف المكان من بقايا الماء والطعام بعد ساعتين من تقديمه لأن الماء على الأقل يُصبح مُتسخ، وبالطبع لا يمكن شربه بعد تلوثه.
تربية الحمام الزاجل
تربية الحمام في المنزل شيء جيد بالطبع، لكن الذي سيضمن لك ذلك الأمر أن يكون ضمن مجموعة الحمام الخاصة بك أحد أهم الأنواع، وهو نوع الحمام الزاجل، ذلك النوع الذي شهد انتشارًا كبيرًا بسبب إخلاصه الشديد الذي فُطر عليه بالطبع، فهو على الرغم من كونه لا يُربى في الأقفاص إلا أنه يخرج كل صباح ويقوم بجولته المعتادة ثم يعود في المساء كي يستقر على منزل صاحبه الأصلي، ولهذا فإن النصيحة تأتي دائمًا بأن يتم الإكثار من تربية هذا النوع من الحمام لضمان مكسبه، كما أن له شكل جميل وتجارة رائجة بين الأوساط، وطبعًا بالنسبة للطعام والشراب فهو يتم معاملته مثل بقية الأنواع تمامًا، وأغلب من يشترونه لا يذبحونه ويأكلونه، وإنما يفعلون ذلك بغرض التسلية.
أضرار تربية الحمام في المنزل
كما أن تربية الحمام في المنزل أمر هام جدًا للفوائد الكثيرة التي ذكرناها إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الأضرار مثلما هو الحال مع أي شيء آخر، كلٌ له فوائده وأضراره، والحقيقة أن أول أضرار الحمام هي تلك المخلفات التي يتركها وتتسبب في إفساد معيشة أهل البيت بسبب رائحتها النتنة وتلويثها لأرضية السطح، وأيضًا احتمالية الطيران وعدم العودة إلى المنزل من جديد من المشاكل والأضرار التي من الممكن حدوثها نتيجة تربية الحمام في المنزل، فأنت بالطبع لن تدفع مبلغًا كبيرًا من المال ثم بعد ذلك لا تنتظر المكاسب، وكأن من طار وحلق هو مالك وليس الحمام الذي تُربيه في منزلك، هذا إذا ما تغاضينا عن الأضرار الجسدية التي ستلحق بك جراء متابعة تربية الحمام.
الكاتب : محمود الدموكي